وُلد جلالة الملك الحسين بن طلال في عمّان في 14 تشرين الثاني 1935، وتربّى في كنف والدَيه (جلالة الملك طلال بن عبدالله وجلالة الملكة زين الشرف بنت جميل) وجدِّه جلالة الملك المؤسس عبدالله بن الحسين، الذي أورثه القيمَ الرفيعة والمبادئ العظيمة.
أنهى الحسين دراسته الابتدائية في الكلية العلمية الإسلامية بعمّان، ثم سافر إلى مصر لمواصلة تعليمه الثانوي في مدرسة فكتوريا بالإسكندرية (1949/1950). وبعدما تولّى الملك طلال سلطاته الدستورية، أصدر إرادته الملكية بتعيين أكبر أبنائه؛ الأمير الحسين، ولياً للعهد في 9 أيلول 1951. ثم توجّه الحسين إلى بريطانيا لإكمال تعليمه في مدرسة هارو.
وعلى إثر مرض الملك طلال الذي حالَ دون استمراره في الحكم، نودي بالأمير الحسين بن طلال، ملكاً على المملكة الأردنية الهاشمية في 11 آب 1952. ولمّا كان الحسين في السابعة عشرة من عمره حينذاك، فقد شُكّل مجلس وصاية على العرش، بينما واصل الحسين تعليمه ملتحقاً منذ 19 أيلول 1952 بأكاديمية ساندهيرست العسكرية الملكية في المملكة المتحدة، حيث تلقى تعليمه العسكري وتخرج فيها مطلع عام 1953.
أتمَّ الحسين بن طلال ثماني عشرة سنة قمرية من عمره في 2 أيار 1953، فتولّى سلطاته الدستورية مدشّناً مرحلة جديدة في تاريخ الأردن الحديث، استمرت سبعة وأربعين عاماً (1952-1999) رافعاً شعار "فلنَبْنِ هذا البلد ولنخدم هذه الأمة" الذي جسّد فلسفته ونهجه في الحكم وشكّل ركيزة أساسية في توجيه الخطط التنموية وتوزيع مكتسبات التنمية لتشمل جميع أرجاء المملكة.
قاد الحسين المسيرة بحكمة وحنكةٍ واقتدار في مرحلة تخلّلتها الأحداث الجسام والمنعطفات الخطيرة محلياً وإقليمياً ودولياً، واستطاع جلالته العبور بالأردن إلى برّ الأمان، جاعلاً منه أمثولةً في الاستقرار والنموّ والازدهار؛ وطناً قوياً محكم الدعائم، راسخ الأركان.
اتسم منهج الحسين في الحكم باستناده إلى مفاهيم الخدمة والبناء، والبذل والعطاء، والمساوة والإخاء، والوسطية والاعتدال. فحقّق الأردنّ في عهد جلالته نهضةً شاملة، حتى غدا منارةً للتقدم والعلم وذا مكانة دولية مرموقة.
رعى جلالته منذ بدايات حكمه، مسيرة الحياة السياسية وتعزيز نهج الديمقراطية. وبعد احتلال الضفة الغربية (1967)، وانطلاقاً من أنّ نظامَ الحكم في الدستور الأردني نيابيٌّ ملكيّ وراثيّ ومن أنّ الشعب مصدرَ السلطات، قرّر الحسين تشكيل المجلس الوطني الاستشاري عام 1978، لحماية القيم الدستورية وصيانة الروح الديمقراطية التي قام عليها الأردن الحديث.
وعندما كانت إرادة الأشقّاء الفلسطينيين أن يتولّوا المسؤولية بأنفسهم، كان القرار الأردني في مؤتمر الرباط عام 1974 بالاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني، وتبع ذلك قرارُ فكّ الارتباط القانوني والإداري عام 1988، ما أتاح للأردن استئناف مسيرته الديمقراطية الدستورية في عام 1989 على قاعدة التعددية السياسية، وتأكيد نهج الشورى، وتوسيع قاعدة المشاركة السياسية. وجاء الميثاق الوطني الأردني (1991) برعاية جلالته ليمثل خلاصة حوار سياسي واسع شارك فيه أصحاب الرأي والفكر والقادة السياسيون وجميع فئات الشعب.
شهدت فترةُ حكم الحسين تطويراً وتحديثاً مستمرَّين للقوات المسلّحة والأجهزة الأمنية، ودعماً متواصلاً لمنتسبيها. فاستكمل الأردنُّ استقلاله بقرار تعريب قيادة الجيش في 1 آذار 1956، وإنهاء المعاهدة الأردنية البريطانية في 13 آذار 1957. وخاض الأردنُّ بقيادة جلالته معركةَ الكرامة في 21 آذار 1968 التي حقّق فيها الجيش العربي انتصاراً.
أبدى الحسين اهتماماً كبيراً بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية، من خلال إطلاق مشاريع نوعية على غرار ميناء العقبة ومصانع الإسمنت والفوسفات والبوتاس ومصفاة البترول. وأشرف بنفسه على خطط التنمية، وشدّد على أهمية تعزيز التنمية وتركيز دعائمها من خلال إنشاء عدد من المؤسسات والهيئات الوطنية.
وآمن الحسين بأنّ العلم رمزٌ لحضارة الشعوب، ومعلمٌ أساسيّ من معالم رقيّ الأمم، فحرصَ جلالته على نشر العلم وبثّ الثقافة من خلال تدشين الصروح الثقافية والفنية والمجامع العلْمية والمؤسسات الفكرية، والتوسُّع في بناء المدارس في أنحاء المملكة.
وأَولى جلالة الحسين المقدساتِ الإسلامية جلَّ اهتمامه، فعمل على رعايتها، وعدَّها وديعةً يقع عليه واجبُ صونها والمحافظة عليها، فصدر في عهده قانونُ إعمار المسجد الأقصى والصخرة المشرفة (1954)، الذي شُكّلت بموجبه لجنة خاصة لإعمار المقدسات الإسلامية في الحرم القدسي. وبعد حريق المسجد الأقصى في 21 آب 1969، أصدر جلالته أوامره العاجلة بضرورة إعادة تعمير المسجد، فانطلق الإعمار الهاشمي الثالث الذي استمر إلى عام 1994، وكان من أبرز ما شمله تحويل قبّة الصخرة إلى قبّة ذهبية على نفقة جلالته.
وحرصَ جلالته على أن تُصان حقوق الأقليات استناداً إلى ما نصّ عليه الدستور، وعلى أساس احترام الفوارق وتعزيز القواسم وقِيَم العيش المشترك، وإيماناً من جلالته أن العالم يحتاج إلى فهم متبادل أكثر عمقاً بين الثقافات والأديان. وجاءت الزيارة التاريخية التي قام بها قداسة البابا بولس السادس للأردن والأراضي المقدسة عام 1964 لتنسجم مع الحرص الملكي على ترسيخ نهج التعددية والتنوّع، وتعزيز السلم المجتمعي والسلام على المستويين الإقليمي والعالمي.
وكان جلالته دائم التأكيد أن المواطنين -مسلمين ومسيحيين- إخوةٌ في عبادة الله، ومواطنون متساوون في انتسابهم لأسرة أردنية واحدة، ولأمة عربية واحدة، ومتساوون في الحقوق والواجبات، وفي المواطنة وفي الوجود والمصير.
وأكّد الحسين رؤاه في هذا المجال، بتأسيس مؤسسة آل البيت للفكر الإسلامي عام 1980، والتي ساهمت في رعاية الحوار الإسلامي-المسيحي، والتوفيق بين الأفكار والتقارب بين أصحاب الديانات. كما أُسِّس المعهد الملكي للدراسات الدينية في عمّان عام 1994، للعمل على نشر القيم الإنسانية والأخلاقية المشتركة التي تساهم في تعزيز التعاون والعلاقات بين الأديان المختلفة، والتخفيف من المفاهيم الخاطئة المتبادلة حول "الآخر".
وأَولى الحسين القضيةَ الفلسطينية التي تمثّل للأردن "أمّ القضايا" والقضيةَ المركزية الأولى، جلَّ اهتمامه، حيث أخذ جلالته على عاتقه المطالبة بحلّ هذه القضية في جميع المحافل، وكانت رؤيتُه الحكيمة والثاقبة أساساً لكل مقترَحات الحلول والقرارات التي اتُّخذت تجاهها عربياً ودولياً، ومن أبرزها قرار مجلس الأمن الدولي رقم (242) في عام 1967، والمشاركة في مؤتمر جنيف للسلام عام 1973، وتوقيع اتفاق مبادئ أردني فلسطيني عُرف بـ"اتفاق 11 شباط" عام 1984، وانعقاد مؤتمر مدريد للسلام في عام 1991. كما حرص جلالتُه على أن يوفّر الأردنُّ مظلةً لتمكين الفلسطينيين من التفاوض حول مستقبلهم كجزءٍ من وفد أردني-فلسطيني مشترك، وبذل جهودُه في سبيل إحلال السلام العادل والشامل بموجب إعلان واشنطن عام 1994، وتوقيع معاهدة السلام الأردنية-الإسرائيلية في وادي عربة عام 1994، والمشاركة في المؤتمر الدولي لصناعة السلام في شرم الشيخ عام 1996. كما ألقى جلالته بثقله لإنجاح الاتفاق الفلسطيني-الإسرائيلي في "واي بلانتيشن" عام 1998.
وعمل الحسين على توطيد العلاقات الثنائية وتعزيزها بين الأردن والدول العربية، استناداً إلى مبادئ التعاون والتكافؤ والاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، ودافع جلالته عن قضايا أمته العربية وتبنّى قضاياها ومطالبها في المحافل الإقليمية والدولية، مسانداً معارك شعوبها لنيل التحرير وإنجاز الاستقلال ودفع عجلة البناء، فقدّم الدعمَ المادي والمعنوي للشعب الجزائري أثناء ثورته لنيل الاستقلال (1954)، ووقفَ بجانب مصر أثناء العدوان الثلاثي عليها (1956)، وتمسّك بوحدة الضفتَين، ووقّع اتفاقية التضامن العربي (1957)، وأعلن قيام الاتحاد العربي بين المملكة الأردنية الهاشمية والمملكة العراقية (1958)، ووقف بجانب الكويت بإرسال قوات أردنية إليها بعد استقلالها (1961).
وكان لجلالته دورٌ مميز في مؤتمرات القمة العربية، فظلَّ عاملَ توحيد وتقارُب وتضامُن بين القادة العرب منذ مؤتمر القمة العربية الأول المنعقد في القاهرة (1964). وتعزّز هذا النهج باستضافة عمّان مؤتمرَ القمة العربية الحادي عشر (1980)، وقمة الوفاق والاتفاق (1987)، وكذلك بتأسيس مجلس التعاون العربي (1989).
ومما قام به الحسين في سبيل وحدة الصفّ العربي ومناصرة الشعوب في نيل استقلالها وتقرير مصيرها: إعلان مشروع المملكة العربية المتحدة (15 آذار 1972)، ودعم حركات التحرر الإفريقي، ومحاولة رأب الصدع في أزمة الخليج الثانية، والدعوة إلى حلّ الخلاف بين الأشقاء عربياً والحيلولة دون تدويل الأزمات، والعمل على تحقيق المصالحة بين اليمنيين لإنهاء الحرب الأهلية، وذلك بتوقيع الفرقاء "وثيقة العهد والاتفاق" في قصر رغدان العامر عام 1994.
وعلى صعيد العالم الإسلامي، كان لجلالته دورٌ فعّال ومؤثّر في تأسيس منظمة المؤتمر الإسلامي والمشاركة في مؤتمراتها منذ مؤتمر القمة الإسلامية الأول في الرباط عام 1969.
وعلى الصعيد الدولي، اتسم نهج الحسين بالاعتدال والعقلانية والانفتاح على العالم، حيث عمل على بناء منظومة من العلاقات أساسُها التعاون والاحترام المتبادل، وبذل جهوداً منقطعة النظير لإرساء السلام العالمي الشامل والعادل استناداً إلى قرارات الشرعية الدولية، وكرّس مساعيه لحل النزاعات والأزمات بين الدول بالطرق السلمية، كما حرص جلالته على المشاركة في المحافل الدولية والعالمية، خاصة مؤتمرات حركة دول عدم الانحياز منذ مؤتمرها الثاني في القاهرة، واجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي كان يرى فيها "ضمير البشرية".
تسلّم جلالة الحسين جوائز عديدة وتلقّى التكريم من مؤسسات دولية وأكاديمية مرموقة، تقديراً لدوره في إرساء دعائم السلام والتعاون والتفاهم الدولي. وصدر له أربعة مؤلَّفات خلال حياته، هي: "ليس من السهل أن تكون ملكاً" (الطبعة الأولى بالإنجليزية، 1962)، و"حربنا مع إسرائيل" (الطبعة الأولى بالفرنسية، 1068)، و"قصة حياتي" (الطبعة الأولى بالعربية، مطلع السبعينات)، و"مهنتي كملك" (الطبعة الأولى بالفرنسية، 1975).
توفي جلالة الملك الحسين في عمّان، يوم الأحد 7 شباط 1999، وشُيّع جثمانه الطاهر في اليوم التالي، من قصر رغدان العامر إلى مثواه الأخير بالأضرحة الملَكية، وسُمّيت جنازته "جنازة العصر" لأنها شهدت مشاركة عدد كبير من زعماء العالم، وقرابة 75 وفداً رسمياً تمثّل دولاً عربية وأجنبية، وجمعت الأصدقاءَ والخصومَ من الأطياف كافة في مكان واحد.