تنتسب الأسرةُ الهاشمية إلى هاشم، جدّ النبي محمد صلّى الله عليه وسلم، من قبيلة قريش في مكة المكرمة. وآلُ هاشم هم أحفادُ النبي محمّد من ابنته فاطمة الزهراء رضي الله عنها وزوجِها الإمام عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه، رابع الخلفاء الراشدين.
احتفظ بنو هاشم بريادة السلالة القرشية، ومثّلوا طليعةَ المجتمع في الحجاز، بوصفهم صفوةً أخلاقية وأهلَ الإدارة السياسية والاقتصادية، ونالوا بتقدير زوّار البيت الحرام واحترامهم. وفي التاريخ الحديث، قاد الهاشميون ثورةَ العرب نحو بناء الدولة الموحَّدة، إذ شكّل إطلاقُ رصاصة الثورة العربية الكبرى في عام 1916 الخطوة الأولى لنيل الاستقلال.
- نسَبُ قبيلة بني هاشم
يرجع نسَبُ قبيلة بني هاشم إلى إسماعيل بن إبراهيم، عليه السلام، وهاشم هو سيدُ قريش "عمرو بن عبد مناف"، وسُمّي هاشماً لأنه هشم الخبز واتّخذ منه الثريد الذي كان يقدّمه لأهل مكة بعد أن يصبّ عليه المرق واللحم في عامٍ أصابهم القحطُ فيه، وأصبح القرشيون أغنياء بفضله لأنه مهّد لهم الطريق لرحلتَي الشتاء والصيف؛ واحدة إلى بلاد اليمن، والأخرى إلى بلاد الشام.
ويُعَدّ قُصَيّ بن كِلاب باني مجد هاشم القُرشية، فكان للهاشميين شرفُ إدارة الحجّ، وتولّوا أعمال الرفادة والسقاية ورفع اللواء، وتَظهر نزعة الاستقلال لديهم من خلال ريادتهم وقيادتهم السياسية والاجتماعية، إذ أسّسوا "دار الندوة" التي كانت أول مكان للاجتماع والتشاور، وكانوا يعقدون فيها مجلسهم الذي يناقش السياسات العامة.
وقسّم بنو هاشم مكّة إلى أرباع، وكانت هذه البداية مع نظام الدولة الذي عرفوه، وأرادوا تنظيم شؤون الناس على أساسٍ من العدل والمساواة، وأسّسوا حلف الفضول الذي قاده بنو عبد مناف، بهدف توفير الأمن والاستقرار لمواكب الحجّ قبل الإسلام ودفْع الأذى عن الناس.
احتفظ بنو هاشم بموقعهم المعنويّ بين القُرشيين بعد ظهور الإسلام، وظلّوا يمثلون طليعة المجتمع في الحجاز، محافظين على رعاية البيت الحرام.
ورغم تبدّل القوى السياسية على مدار العصور الإسلامية، إلّا أن مكانة بني هاشم ومنزلتهم الدينية والتاريخية والمعنوية ظلّت حاضرة، وتمّتع الهاشميون منذ القرن الرابع للهجرة باستقلالهم بالشرافة على مكةّ، وحرصت الدول المتعاقبة على احترام موقع الشرافة ودور الهاشميين في الحفاظ على البيت الحرام ورعاية الحجيج.
وعندما سيطرت الدولةُ العثمانية على بلاد الشام ومصر (1516-1517)، حرص السلطان سليم الأول على تأكيد دور الشريف "أبو نميّ" (صاحب الراية الهاشمية) في موقعه شريفاً لمكة، وهو ما حافظَ عليه أسلافُه طوال الحكم العثماني للبلاد العربية، إذ ظلّ الأشراف يتمتعون بإدارة الحجاز والإشراف على البيت الحرام، وتأمين الحجّ والحجيج.
وفي التاريخ المعاصر، شكّل إطلاق رصاصة الثورة العربية الكبرى في 10 حزيران 1916 الخطوة الأولى لبناء الدولة العربية على أيدي الهاشميين بعد زمن من التغييب والاستلاب.
ومن أجل الاستقلال والسيادة العربية، قاد الهاشميون حركة النهضة العربية الحديثة، التي لم تنفصل عن حركة الوعي العربي عند الأحرار العرب الذين انتظموا في جمعيات استقلالية وكان الأمير فيصل الأول حلقةَ وصل بينهم وبين والده أمير مكة الشريف الحسين الذي أراده العربُ أن يكون قائداً لحركة النهضة والثورة لمكانته الدينية والشرعية والتاريخية.
ودفعَ الشريف الحسين بن علي ثمن نضاله من أجل استقلال العرب وحريتهم، فكان مصيرُه النفيَ إلى أسطنبول في عام 1893، ثم عاد في عام 1908 أميراً على مكة المكرمة، وكان لتلك التجربة أثرٌ واضح في تقدُّمه بثبات وقوة لتمثيل آمال العرب في التحرر والاستقلال، وبناء دولة مستقلّة في مطلع القرن العشرين.
ونظراً لمكانتهم الدينية والتاريخية، فقد تصدّر الهاشميون، تاريخَ العرب الحديث.
- بناء الدولة العربية الموحَّدة
بعد هزيمتها الفادحة في القوقاز في 15 كانون الثاني 1915، طلبت الدولةُ العثمانية من أمير مكة الشريف الحسين بن علي، أن يعلن الجهاد المقدس باسم السلطان محمد رشاد الخامس، وأن يُعِدّ قواتٍ متطوعة من العرب ويرسلهم إلى سوريا، وأن يتعاون مع الوالي وهيب بيك في جمع العرب وتجنيدهم وتسليحهم للالتحاق بالجبهات، فأرسل الشريف برقية جوابية إلى الصدر الأعظم جاء فيها:
"نلبّي ما تطلبه الدولة العليّة إذا استجابت لمطالب العرب وهي:
*إعلان العفو عن المحكومين السياسيين العرب.
*منح سوريا إدارة لا مركزية وأيضاً العراق.
*اعتبار الشرافة بمكة معترفاً بها بحق الموروث.
مثّل هذا الردّ بداية الأزمة السياسية التي سرّعت في إعلان الثورة، وكان البريطانيون يبذلون مساعيهم لكسب العرب إلى جانبهم، فعرضَ المفوّض السامي البريطاني "السير هنري مكماهون"، في رسالة إلى الشريف الحسين نيسان 1915، استعداد بلاده لمساعدة العرب لنيل الاستقلال، تلتها رسائل عدة بينهما عُرفت باسم "رسائل الحسين-مكماهون"، فوافق الشريف الحسين على الدخول في مفاوضات على أساس التحرير وتوحيد العرب وإعلان الاستقلال.
ومثّل الشريف الحسين خياراً عربياً، وتوجّهت إليه أنظار الأحرار العرب في بلاد الشام والعراق وشمال إفريقيا الذين كانوا يتوقون ليوم الاستقلال، ورأوا فيه تجسيداً للمكانة الدينية والخبرة السياسية والثقل المعنوي لدى المسلمين كافة.
ووافقت بريطانيا على مطالب الشريف الحسين، الذي شدّد على أن تكون فلسطين أرضاً عربية خالصة، في مواجهة ادّعاءات بريطانية أرادت إخراج فلسطين، بخاصة القدس، من حدود الدولة العربية،
في تلك الأثناء كان جمال باشا السفّاح يُصدر أحكام الإعدام الجائرة التي نُفذت في بيروت ودمشق في 6 أيار 1916، وزَجّ في السجون أعداداً كبيرة من الشخصيات الوطنية العربية، وفي فجر ذلك اليوم الدامي أطلق الأمير فيصل من دمشق الصيحةَ العربية "طاب الموت يا عرب"، وبهذا بدأت مسيرة الثورة العربية في تحرير الأرض والإنسان.
خاضت الجيوش العربية؛ الشمالية بقيادة الأمير فيصل، والشرقية بقيادة الأمير عبدالله، والجنوبية بقيادة الأمير علي، معاركَ على ثلاث جبهات: جبهة الحجاز في مكة والمدينة والطائف وجدّة وعلى طول ساحل البحر الأحمر، وجبهة الأردن في العقبة والطفيلة ومعان والأزرق والشوبك ووادي موسى والحسا وغيرها، وجبهة سوريا الشمالية في الطريق إلى دمشق وحتى حمص وحلب وصولاً إلى المسلمية التي تمثل آخر نقطة في الشمال.
وبانتهاء الأحداث العسكرية للحرب العالمية الأولى، دخل الأمير فيصل ومعه جيشه ظافراً إلى دمشق في تشرين الأول 1918، فاستُقبل في عاصمة الدولة الأموية استقبالَ الفاتحين، وأصبحت "شرق الأردن" الواقعة جنوب سوريا جزءاً من إدارةٍ عاصمتُها دمشق، وعملَ أحرار العرب مع الأمير فيصل الذي أرسى مبادئ الثورة العربية الكبرى في أرجاء بلاد الشام وحرصَ على تثبيت أركان إدارته بالقوانين وتطوير الأحوال الاقتصادية والتعليمية.
شارك الأمير فيصل في مؤتمر باريس في عام 1919 ممثِّلاً عن العرب، ودافع في المحافل الدولية عن الحقوق العربية بإقامة دولة عربية، لكنّ الدول المنتصِرة في الحرب العالمية الأولى كانت قد رسمت سرّاً حدوداً جديدة للأراضي التي تحرّرت عن الدولة العثمانية، واقتسمتها نظرياً، في الوقت الذي تحرّك فيه أحرار العرب ونادوا بفيصل بن الحسين ملكاً على سوريا وأعلنوا قيام المملكة السورية في 8 آذار 1920. وخوفاً من نجاح هذه الدولة التي استلهمت مبادئ الثورة العربية الكبرى، هاجم جيشُ الجنرال الفرنسي غورو، جيشَ الدولة العربية في سوريا، وأنهت معركةُ ميسلون أولَ كيانٍ عربي حديث بعد خضوع العرب للحكم العثماني لأربعة قرون.
حاول الأمير عبدالله بن الحسين استردادَ مُلْكِ أخيه فيصل، فقَدِم إلى معان واستقرّ فيها في الوقت الذي قامت فيه "الحكومات المحلية" بإدارة منطقة شرق الأردن بعد سقوط المملكة السورية. والتفّ أحرار العرب حوله وساندوه، فقَدِم إلى عمّان يوم 2 آذار 1921، وبخبرته السياسية المحنّكة، شرع بإقامة نظام سياسي، وكرّس فيه المطلبَ العربي بالاستقلال، وتأكيد النهج النهضوي الذي بدأه والده الشريف الحسين بن عليّ، ونجح في محادثاته مع وزير المستعمرات البريطاني "ونستون تشرشل" والمندوب السامي البريطاني "هربرت صموئيل"، بانتزاع الاعتراف البريطاني بتأسيس دولة في شرق الأردن، وبُنيت هذه الدولة بجهودٍ حثيثة بذلها الأمير مع شعبه، الأمر الذي أفضى إلى إعلان البلاد الأردنية دولة مستقلّة استقلالاً تاماً وقيام المملكة الأردنية الهاشمية في 25 أيار 1946.